الرد على شبهة ( يَا أُخْتَ هَارُونَ )

-من الشبهات التي تكشف عن مدى ضعف القدرات العقلية عند أصحابها، شبهة يتناقلها النصارى فيما بينهم يدّعون فيها أن ((محمداً لم يميز بين مريم أم المسيح ومريم أخت هارون، وظن أن المريمين شخصية واحدة رغم الفارغ الزمني الشاسع))

ويستند النصارى في فريتهم علي قول الله تعالي : ” يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا”  مريم 28

وللرد على هذا الجهل الواضح الفاضح أقول وبالله التوفيق:

أولاً: الحقيقة التي تُفهم من السياق القرآني، أن تسمية مريم بـ ” أخت هارون ” ، ليست تسمية قرآنية؛ وإنما هي حكاية لما قاله قومها لها، وما خاطبوها ونادوها به عندما حملت بعيسى ـ عليه السلام ـ عندما استنكروا ذلك الحمل ، واتهموها في عرضها وشرفها وعفافها.. فقالوا لها:

 (يا مريم لقد جئت شيئًا فريًّا * يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سَوْء وما كانت أمك بغيًا ).

واختلف المفسرون في التعليل؛والحاصل أن هذه التسمية لمريم بـ ” أخت هارون ” ، ليست خبرًا قرآنيًا ، وإنما هي حكاية من القرآن الكريم لما قاله قومها، وهذه الاحتمالات التي ذكرها المفسرون ، تعليلاً لهذه التسمية هي اجتهادات مستندة إلى تراث من التاريخ والقصص والمأثورات.

==؛

ثانياً: إن فرضنا أن القرآن الكريم أقر كلام اليهود عندما قالوا للسيدة مريم “يا أخت هارون” فيقيناً ليس المعنى أن السيدةَ مريم أختاً للنبي هارون أخوية نسب وَدم كمَا ظَنَّ الجهلة الجهلاء الجهال بِسطحية !

فَلفظ “الأخوة” فِي اللغة العربية يُمكنُ أنَّ يأتي للتشبيه وَالتقريب بين الأشياء وَالأمور والأشخاص ، فَعندما قالَ القرآن عن السيدة مريم أنَّها أخت هارون كان يَقصدُ أنَّها تقاربه وَتشابهه فِي العبادة وَالتقوى.

-وقد استعمل القرآن الكريم عبارة مماثلة لشخصين كان بينهم فارق زمني كبير وأطلق لفظ الإخوة عليهم  ؛ كما قال تعالى في سورة الأحقاف 21

{وَاذْكُرْ (( أَخَا عَادٍ )) إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ }

 وعاد هو أسم رجل سميت قبيلة عاد بأسمه فأضاف أسم (( أخا عاد)) الى شخص بعد عاد بحوالى ألف عام و مع ذلك سماه “أخا عاد” .

،

 -وهذه الشبهة السطحية الساذجة كأصحابها قد تَمَّ الرد عليها وَنسفها قَبلَ 1400  سنة على لسانِ النبيِّ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم نفسه، فِي صحيح مسلم :

« لَمَّا قَدِمْتُ نَجْرَانَ سَأَلُونِي، فَقالوا: إنَّكُمْ تَقْرَؤُونَ يا أُخْتَ هَارُونَ، وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بكَذَا وَكَذَا، فَلَمَّا قَدِمْتُ علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ سَأَلْتُهُ عن ذلكَ، فَقالَ: إنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ »

؛

فالأخوة  لا يشترط أن تكون من النسب؛ فقد ترد بمعنى الاخوة الإيمانية ؛ كما ذكر الله تعالى فى الكثير من الآيات القرآنية ؛ منها:

-{ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم } البقرة  220

-{والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } الحشر 10

-{إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون} الحجرات 10

-{يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا}  مريم  28

-{فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين } التوبة 11

كل هذة الآيات توضح لنا أن المقصود بمعني الأخوة (( الأخوة الايمانية ))  ؛ كما قال بولس في رومية16 : 1

 “أُوصِي إِلَيْكُمْ بِأُخْتِنَا فِيبِي، الَّتِي هِيَ خَادِمَةُ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي كَنْخَرِيَا” 

أختنا فيبي أي شبيهتنا في الايمان أو على مثل ما نحن عليه من الايمان ؛ مثل “يا أخت هارون ” أي: يا شبيهة هارون في التقوى والعبادة .

==؛

ثالثاً: كان رئيس الكهنة  يسمى هارون او إبن هارون النبي أخو موسى عليهما السلام؛ رغم أن هارون في زمن مختلف وبعيد جداً عنه، ولم يكن الكهنوت في أي نسل سوى نسل هارون أخو موسى فكان يُسمى أبناءه إذا أصبحوا رؤساء كهنة بإسم هارون أو هارونيين .

-فحتى بعد هارون النبي بسنوات كثيرة أصبح الكاهن الذي حل محل هارون يسمى: إبن هارون أو هارون ؛ كما في سفر نحميا 10 : 38

“وَيَكُونُ الْكَاهِنُ ابْنُ هَارُونَ مَعَ اللاَّوِيِّينَ حِينَ يُعَشِّرُ اللاَّوِيُّونَ”

-وفي أخبار الأيام الثاني 26 : 18

“وَقَاوَمُوا عُزِّيَّا الْمَلِكَ وَقَالُوا لَهُ: «لَيْسَ لَكَ يَا عُزِّيَّا أَنْ تُوقِدَ لِلرَّبِّ، بَلْ (( لِلْكَهَنَةِ بَنِي هَارُونَ )) الْمُقَدَّسِينَ لِلإِيقَادِ. اُخْرُجْ مِنَ الْمَقْدِسِ لأَنَّكَ خُنْتَ وَلَيْسَ لَكَ مِنْ كَرَامَةٍ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ الإِلهِ».

فها هم بعد هارون بقرون كانوا وما زالوا يُسمون الكاهن بلقب رتبته وهو “إبن هارون” وكأنه إبن مباشر لهارون ؛ فكان يُنسب لهارون بسبب رتبته الكهنوتية!

فالكاهن إسمه هارون والكهنة هارونيين ؛ كما نقرأ في أخبار الأيام الأول 12: 27

“وَيَهُويَادَاعُ رَئِيسُ الْهرُونِيِّينَ وَمَعَهُ ثَلاَثَةُ آلاَفٍ وَسَبْعُ مِئَةٍ”

وفي لوقا 1 : 5

“كَانَ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ مَلِكِ الْيَهُودِيَّةِ كَاهِنٌ اسْمُهُ زَكَرِيَّا مِنْ فِرْقَةِ أَبِيَّا،وَامْرَأَتُهُ مِنْ بَنَاتِ هَارُونَ وَاسْمُهَا أَلِيصَابَاتُ “

فكان كل رئيس كهنة يُسمى هارون على اسم سيدنا هارون أخو موسى كرتبة للكهنوت ولأنهم من نسل هارون.

==؛

أخيراً والمفاجأة : مريم وابنها يسوع كانا من نسل  هارون ومن سبط النبي لاوي بن يعقوب  (اللاويين)

ولذلك كان يُقال لها “يا أخت هارون”  كما ذكر القرأن الكريم  ؛ بدليل:

1-معروف ان اليصابات (اليزابيث) نسيبة السيدة مريم (ابنة خالتها)  ،كما هو مذكور في لوقا: 36:1

 [ أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضاً حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا ]

ومعروف أن اليصابات زوجة زكريا كانت من بنات هارون كما في لوقا 1: 5

 [ كَاهِنٌ اسْمُهُ زَكَرِيَّا مِنْ فِرْقَةِ أَبِيَّا،وَامْرَأَتُهُ مِنْ بَنَاتِ هَارُونَ وَاسْمُهَا أَلِيصَابَاتُ ]

أي أن مريم من نسل هارون أيضاً.

2-معروف أنه لا يخدم في  الهيكل إلا الكهنة  والذين هم من نسل اللاويين مثل هارون اخو موسي،  وكانوا لا يتزوجون إلا من بعضهم حتي لا تتوزع الأنصبة التي تركها لهم  النبي موسي خارج السبط؛ كما ورد في عدد 36 :7-8-9

[ كُلُّ بِنْتٍ وَرَثَتْ نَصِيباً مِنْ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيل تَكُونُ امْرَأَةً لِوَاحِدٍ مِنْ عَشِيرَةِ سِبْطِ أَبِيهَا لِيَرِثَ بَنُو إِسْرَائِيل كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَ آبَائِهِ ]

كان هذا قانون اليهود عند الزواج؛ وبما أن السيدة مريم دخلت الهيكل وخدمت فيه إذن تكون السيدة مريم وابنها  من سبط  اللاويين  نسل النبي  لاوي الكاهن  خادم الهيكل؛ أي من نسل هارون .

،

3-وجاء عن نسب السيدة مريم العذراء فى السنكسار يوم 16 أمشير الآتى:

+ تزوج متثات من سبط لاوي من بيت هارون من صوفية وأنجب ثلاث بنات حسب الترتيب الآتى:

+ مريم (أم سالومى) إهتمت بالعذراء مريم أثناء ميلاد المسيح

+ صوفية (أم أليصابات) والدة يوحنا المعمدان

+ حنة (أم مريم العذراء) أم يسوع المسيح

ومن هنا يتضح نسب القرابة لمريم العذراء لبيت هارون اخو موسي ، ونثبت من ذلك أنها أخت هارون باللقب بحسب عادات وتقاليد بني إسرائيل.

..؛

 -ولكن متى المدلس كان يكتب انجيله لمحاولة اقناع اليهود أن المسيح قد ظهر من نسل داود بالجسد حسب نبوات الانبياء عنه !

  متى 22 : 42 :

[«مَاذَا تَظُنُّونَ فِي الْمَسِيحِ؟ ابْنُ مَنْ هُوَ؟» قَالُوا لَهُ: «ابْنُ دَاوُدَ». ]

حتى وان أدى ذلك لتدنيس نسب المسيح بالـ.ـزوانـ.ـي والمومــ..ــسـ.ـات !!

…؛

*والحاصل : النبي محمد عليه الصلاة والسلام كان يعلم يقيناً الفارق الزمني بين موسى وعيسى بالنص الواضح من القرآن الكريم :

“ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس” (البقرة 87)

كما كان يعلم يقيناً أن والدة مريم لم يكن لديها أولاد، وأنها نذرت ما في بطنها لله، وكانت تتمنى ان يرزقها الله ولداً، ولكن وضعتها أنثى، وسمتها مريم (سورة آل عمران).

،

والسؤال البسيط الآن لمعاشر المعترضين بجهل من النصارى :

هل يوجد في كتابكم المقدس، أو حتى مصدر تاريخي معتبر ذكر إسم والد أو والدة مريم ؟

وان كان يُوجد ؛ فلم اختلفتم في اسم والد مريم أم إلهكم ؛  ما بين 1- يواقيم و2- بوناخير و3- صادوق ؟

هل ترك لكم كتابكم حرية اختيار اسم “جد الإله” ؟!

أم أنكم بالفعل تجهلون اسم “جد إلهكم” ؟!

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *