الرد على شبهة حادثة الإِفْكُ

-من الشبهات التي يحلو لأبناء برسوم تداولها في زرائبهم شبهة اتهام المنافقين للسيدة عائشة رضي الله عنها بالزنـــ…ـى مع سيدنا صفوان بن المعطل!

وبالطبع ليس المقصود من شبهتهم السيدة عائشة ولا صفوان، ولا حتى استبشاع الفاحشة فقد كان إلههم حبيباً للــ..ـزواني وللمومــ..ـسات، فقد كان يأمر أنبيائه بالزواج من المومــ.ـســات، وكان يعاقب مخالفيه بالوقوع في الزنـــ.ــى، وكثيراً ما رفع عنهن العقوبة وكان يُبشرهن بالملكوت؛ بل كان يأكل ويشرب هو وأتباعه ويُنفق من أموالهن التي اكتسبنها بعرق فروجهن !

إنما غرضهم الوحيد هو الانتقاص من قدر النبي عليه الصلاة والسلام، ومحاولة تشويه مقام النبوة!

وللرد على هذه الشبهة أقول وبالله التوفيق:

*أولاً: الغريب أن أبناء غرف الاعتراف الملعوب في فتحاتهم وفتحات أمهاتهم بدعوى “الرشم” يتناقلون الافتراء بين خرافهم الضالة باسم “حادثة الإفك”!

ولم ينتبه أحدهم إلى أن معنى الإِفْكُ: هو الكَذِبُ الفاحِشُ القَبِيحُ.

فكأنهم -لجهلهم وسوء نيتهم- يشهدون على أنفسهم أن ما يتناقلونه ويتندرون به ما هو إلا كَذِبُ فاحِشُ قَبِيحُ؛ ولِمَ لا وهم قد جعلوا قدوتهم عبد الله بن أبي بن سلول، زعيم المنافقين ورأس الكـ.ـفر بالمدينة!

–؛

*ثانياً: كل كلمة فى الحديث الذي يستشهدون به تنفى وقوع تلك القصة من الأساس وتنفى وجودها مطلقاً، فبنص الحديث نقرأ أن السيدة عائشة لمدة كبيرة لا تعرف شيئاً عن خوض الناس فى ذلك الموضوع بسبب مرضها الذى تزامن مع تلك الحادثة.

ونقرأ أن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يشك لوهلة واحدة فى السيدة عائشة، وهذا يتضح عندما صعد إلى المنبر وخطب بالناس قائلاً:

 ( مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا ، وَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا ، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي )

،

ثم نزل القرآن الكريم بتبرئة السيدة عائشة رضي الله عنها من هذا الإتهام البشع؛ فقال الله تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَخَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (11  سورة النــور)

،

وبعد ذلك طبّق الرسول صلى الله عليه وسلم حد القذف على القائلين بذلك من المسلمين [حسان بن ثابت وعبد الله بن أبى ومسطح وحمنة بنت جحش]، غير أن رسول الله صلي الله عيه وسلم لم يطبق الحد على ابن سلول ( عليه لعائن الله ) لأنه  لم يصرح بالأمر بل أشار إليه من بعيد، كما أن الحد تطهير من الذنب وابن سلول لم يكن أهلاً لأن يتطهر من رجسه!

فمن أين فهم هؤلاء الأنجاس الأرجاس وقوع ما تخيلته عقولهم، وأوحت به إليهم مؤخراتهم؟!

–؛

*ثالثاً: ادعّى الأغبياء أن النبي عليه الصلاة والسلام قام بتأليف الآيات التي تُبرئ أمنا عائشة من تهمة الزني في حادثة الإفك بعد أن حاضت واطمأن بعدم وجود حمل!

وهل كان النبي عليه الصلاة والسلام وهو رئيس الدولة الإسلامية والمتحكم بجيشها بحاجة إلى تأليف آيات للدفاع عن شرفه أيها الحمقى المغفلين؟

وهل لم يكن للنبي عليه الصلاة والسلام زوجات وأولاد معاشر الأغبياء المهابيل؟

كان يكفي النبي عليه الصلاة والسلام أن يأمر بقطع رقاب المفترين من المنافقين لكي يُخرس كل لسان قد يتجرأ ويتطاول على عرضه؛ ولكنه لم يفعل وانتظر نزول الوحي شهراً كاملاً ميّز الله فيه خلالها الخبيث من الطيب، كما حدث فى تحويل القبلتين ليعلم الله من قد كمل إيمانه ممن هو فى ريب من أمره.

،

وان كان النبي محمد عليه الصلاة والسلام هو مؤلف القرآن كما يدّعي أمثال هؤلاء البهائم السائبة؛ فلماذا انتظر شهراً كاملاً معاشر المرشومين، وقد كان يستطيع أن يقطع لسان أي كلب ينبح على عرضه بكلمة واحدة فقط تخرج من بين شفتيه؟

ولكن في الحديث دليل واضح لكل منصف عاقل أن محمد عليه الصلاة والسلام كان نبياً خاضعاً لما يتلقاه من وحي الله، ولو كان الأمر بيده وخاضعاً لهواه لما ترك نفسه وزوجته لهذه المعاناه.

قال ابن حجر في “فتح الباري” (8/480) في شرحه لحديث الإفك :” وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ إِلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْزِمْ فِي الْقِصَّةِ بِشَيْءٍ قَبْلَ نُزُولِ الْوَحْيِ . نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ ابْن أَبِي جَمْرَةَ ” انتهى .

..،

 *رابعاً: صفوان بن المعطل الذي قيل فيه ما قيل كان صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ومن صالحي أصحابه، وقد أثنى عليه الرسول في حادثة الإفك، فقد قام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال:

( مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا ، وَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا ، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي )

وشهد له الجميع بالدين والعدالة، ولم يطعن فيه أحد قبل حادثة الإفك ولا بعدها؛ وقد برَّأ الله ساحته وجناب أم المؤمنين زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قال المنافقون.

وقد كان إلى حين قالوا لم يتزوج، ولهذا قال: والله ما كشفت كنف أنثى قط . ثم تزوج بعد ذلك.

،

استشهد هذا العبد الصالح في خلافة عمر بن الخطاب في معركة أرمينية عام 19 هـ، وقيل توفي بالجزيرة في ناحية سميساط على شاطيء الفرات في غربيه في طرف بلاد الروم وقيل أنه غزا الروم في خلافة معاوية، فاندقت ساقه، ولم يزل يُطاعن حتى مات.

فإن كان حدث بين صفوان وعائشة رضي الله عنهما ما يحدث بين براسيم النجيسة ومرتادي غرف الاعتراف كما يتخيل النصارى؛ فهل سيظل الرجل على إسلامه ويُجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع غزواته، وهو يسمع القرآن يُبرّئه ويُبرّىء السيدة عائشة، ثم يُجاهد مع الصحابة حتى يُستشهد بعد حادثة الإفك بحوالي 13 عام؟!

ألم تكن هذه فرصة لا تتكرر لكشف زيف الإسلام وكذب رسول الإسلام بين الصحابة ؟

 لماذا مات شهيدا مدافعا عن الاسلام العظيم في بلاد الكـ.ـفر (أرمينيا) ينشر الاسلام مضحياً بنفسه وبروحه لأجل نشر دين هو علي يقين بخطأه ؟!

كيف خفيت هذه المعاني على أشباه البشر هؤلاء؟!

–؛

*رابعاً: يتمسك النصارى بقول منسوب  لأبي بكر رضي الله عنه [مَا تَنْتَظِرُ بِهَذِهِ الَّتِي خَانَتْكَ وَفَضَحَتْنِي؟!] على اثبات حادثة الإفك، باعتراف أبي بكر بزنى ابنته!

وهذا القول ورد في حديث رواه الطبراني في “المعجم الكبير” (23 / 117)، وفي “المعجم الأوسط” (6 / 270 – 271)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:…. الحديث.

وجهل هؤلاء الخراف الضالة قول أهل العلم أن [في أحاديث عتاب بن بشير عن خُصَيْفٌ – ابن عبد الرحمن- أحاديث منكرة مردودة].

قال ابن عدي رحمه الله تعالى:

” وعتاب بن بشير هذا روى عن خصيف نسخة، وفي تلك النسخة أحاديث ومتون أنكرت عليه، فمنها روى عن خصيف، عن مقسم، عن عائشة حديث الإفك، وزاد فيه ألفاظا لم يقلها إلا عتاب عن خصيف ” انتهى من “الكامل” (8 / 552 – 553).

،

 ومن ضمن هذه المنكرات زيادات في حديث “قصة الإفك”. والمحفوظ من رواية الثقات لقصة الإفك، هو أن أبا بكر رضي الله عنه كان رحيماً بابنته، مغتماً لحالها، بل كان أبو بكر رضي الله عنه تفيض عينه رحمةً وشفقةً عليها (البخاري -4757) . 

-فروى البخاري-2661) و مسلم -2770) …عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:

” … فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ، قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، وَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ … “.

فلو كان أبوها أبو بكر رضي الله عنه قد اتهمها، لما طلبت منه أن يجيب النبي صلى الله عليه وسلم.

–؛

*أخيراً: يحكي لنا التاريخ أن إطلاق الشائعات والاتهامات جزافاً من الكــفرة والمنافقين قد ينال من الأبرار الأطهار، ولم ولن ولا ينتقص ذلك من قدرهم ومكانتهم عند الله، فما من نبي إلا واتهمه كفار قومه بغير ما فيه، مثل اتهام اليهود للمسيح بأن بِهِ شَيْطَانٌ! 

كما اتهم اليهود السيدة مريم عليها السلام بالفاحشة، ولم يُبرئها الكتاب المقدس ولو بنص واحد ؛ إنما برَّأها القران الكريم وأثبت طُهرها وعفتها ؛ فقال الله تعالى: 

[وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ] (سورة التحريم الآية 12)

؛

وفي كتاب النصاري لا نجد نصاً واحداً يُبريء السيدة مريم؛ بل سنجد بعدما حملت السيدة مريم وظهر عليها الحمل اعتبرها يوسف النجار من الساقطات، إقرأ في متى  1: 19

” فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارّاً، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرّاً “

حتى ظهر له ملاك الرب في حلم ليبرأها؛ في متي 1 : 20

“وَلكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هذِهِ الأُمُورِ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً:«يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ. لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ”

 ..؛

فإن كان الاتهام الموجه من الكفرة والمنافقين للمؤمنين مُصدقاً لدى النصارى؛ فلماذا لا يُصدقون أن يسوع كان به شيطاناً، وأن أمه حملت فيه من زنى؟!

وأيهما أولى بالتصديق يا تُرى: اتهام اليهود للسيدة مريم التي حملت بالفعل وولدت طفلاً لا يُعرف له أب، أم اتهام المنافين للسيدة عائشة التي لم تحمل أو تلد قط؟ 

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *